25‏/01‏/2016

الفركة في نقادة الصناعة الأولى

أخبار نقادة
نقلا عن موقع ك ت ب 
للمبدع أسامة جاد يكتب عن الفركة في نقادة 



“الفركة”.. الصناعة اليدوية الأولى في نقادة

أسامة جاد



يعد ثوب “الفركة” أو “القرمصيص” من أهم أثواب زينة العروس السودانية في ليلة الدخلة، حيث لا يكاد يخلو منها عرس سوداني تقليدي.

و”الفركة” هي ثوب من القماش الأحمر، به العديد من تشكيلات الألوان الزاهية، ترتديه العروس في هذه الليلة تحت  “الرحط”، وهو مجموعة من خيوط الحرير الحمراء اللامعة توضع في شكل حزام على خاصرة العروس، حيث تشكل “الفركة” و”الرحط” أهم زينة للعروس في ليلة دخلتها.

ولأنها تنفرد بتلك الصناعة عن جميع أنحاء العالم، فقد أضحت نقادة في محافظة قنا بأقصى صعيد مصر موطن الفركة الأول والدائم، حيث يعمل العشرات من الفنانين الفطريين فى صناعة الفركة، وهى الثوب المكون من قطعة واحدة “فوطة” تلف على جسم المرأة بدون حياكة، ويصنع من الحرير بطريقة يدوية مميزة ولا يخلو منزل فى نقادة من نول أو اكثر لصناعة الفركة التى تصدّر للسودان، كما لا توجد أسرة لا يعمل أحد أفرادها، على الأقل، في صناعة النسيج اليدوي.

ونسيج الفركة من أبرز الفنون اليدوية، ويعتمد صناعةً يدويةً قديمةً منذ مئات السنين، إذ يتم تركيب مجموعة من الأنوال الخشبية، التي تُصمم لنسج خيوط الحرير الطبيعي، وهي غالبا من الحرير الذي يجري تلوينه بالأصباغ، والأعشاب، وقشور الفواكه، والنيلة.



في مصر القديمة

ويرجع أصل الفركة إلى العصر المصري القديم، حيث وجدت في بعض المقابر أنسجة مصبوغة ومنسوجة بالصورة التي تظهر عليها الفركة اليوم، فيما لا تعرف أم محمد، وهي إحدى المتخصصات في صناعة الفركة في نقادة، هذه المعلومة، فكل ما تعرفه أنها نشأت في طفولتها وهي ترى والدتها تعمل على نول الفركة، ومنها تعلمت هذه الحرفة، تماما كما ورثتها الأم عن الجدّة.

تقول “أم محمد” إنه لا يكاد بيت في نقادة يخلو من نول لصناعة الفركة، التي أهم ما يميزها الاعتماد على خيوط الحرير الملونة بألوان طبيعية، والتشكيلات التي يأتي فيها النسيج في خطوط أفقية ورأسية بألوان مختلفة، حيث يحظى هذا النسيج بقيمة اجتماعية كبيرة ـ تضيف أم محمد ـ وخاصة لدى أهل السودان الذين يتم تصدير كميات كبيرة من هذا النسيج لهم.

 الحاج عليعزوف

ولا تقتصر صناعة “الفركة” على النساء، فهناك العشرات من الحرفيين الرجال الذين احترفوا صناعتها، بل وتفوقوا فيها بصورة جعلتهم قبلة الراغبين في الحصول على هذا النسيج، ومن هؤلاء الحاج علي عبد الفتاح الذي يمارس هذه الحرفة منذ نعومة أظفاره، والذي ورث الصناعة عن أسرته أيضا، ويضع نول الفركة في منزله ويتشارك مع زوجته العمل عليه بصورة يومية.

ولكن الحاج علي يرى أن الجيل الجديد من الأبناء بدأ يعزف عن هذه الحرفة التي امتازت بها نقادة، حيث يقبل الشباب اليوم على السفر، سواء لمدينة قنا أو الأقصر، للعمل في السياحة والوظائف المكتبية، أو لخارج المحافظة للعمل في البترول في مصر أو خارجها.

 في مواجهة الانقراض


ونتيجة وجود الأقمشة الصناعية، التي تقلد هذا الفن، سواء من مصادر عربية أو أجنبية، أصبحت هذه الحرفة معرضة للانقراض، مما دفع الحرفيين إلى تطوير أنوالهم، بحيث تستخدم لنسج “الفركة الحريرية” وغيرها من المنسوجات الشعبية، كالبسط، والمفارش، والدانتيلا، والخيام، كما تم إنشاء مشروع للحفاظ على هذه الصناعة في نقادة، يشرف عليه الصندوق الاجتماعي للتنمية بتمويل من منحة سويسرية، والذي أبرز ما يميزه الحفاظ على الأسلوب التقليدي في الصناعة، من خلال تزويد الأسر الراغبة بالأنوال والخامات التقليدية، وإيجاد وسائل وأفكار تسويقية مختلفة لمنتجات تلك الأسر، بالإضافة إلى تدريب عدد من الفتيات على هذه الصناعة لحمايتها من الاندثار.


قيمة روحية


هاني سليمان، وهو أحد المدربين في المشروع، يقول إن أهم ما يميز تلك الصناعة هو أصالتها وتاريخها الممتد الذي يعد سمة أساسية ترتبط بالمكان “نقادة” التي اقتصرت عليها تلك الصناعة، تلك الأصالة التي وصلت بالفركة إلى أن تصبح قيمة روحانية أقرب للقيم الدينية، وهو الأمر الذي أدى في فترة من الفترات إلى حظر تصديرها، ولكن مع التطور والثورة المعرفية تطورت النظرة للفركة لتصبح طقسا شعبيا رئيسا في طقوس الأعراس وخاصة في السودان.


مصير الفانوس


غير أن ارتفاع تكاليف الخامات المستخدمة في صناعة “الفركة”، والجهد اليدوي الكبير في صناعتها، أدى إلى ارتفاع أسعارها إلى حد كبير، حيث يمكن اعتبارها قطعا فنية لا تخضع لقوانين الإنتاج الكبير، الأمر الذي يجعل البعض يشير إلى مخاوف من التحول عن استخدام هذا النسيج في مواجهة الحرائر الصينية التي تستخدم آلات نسيج أكثر تطورا، وتعتمد تشكيلات مقاربة إلى حد التطابق لتشكيلات الفركة الأصلية كما عرفت منذ أقدم العصور، فهل يصبح مصير “الفركة” هو ذاته مصير “الفانوس” الذي يقدمه لنا الصينيون اليوم بأسعار رخيصة، وبأغنياتنا الأصيلة، بعد أن درسوا أسواقنا وعرفوا احتياجاتنا ورغباتنا، أم تظل “الفركة” علامة تجارية حصرية مرتبطة بقرية وحيدة في صعيد مصر، قرية “نقادة”؟!


التسميات:

1 تعليقات:

في 25 يناير 2016 في 8:41 م , Blogger قنا تايمز يقول...

ألف مبروك الموقع الجميل

 

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية