03‏/02‏/2016

مشهد الخطيئة بين النصوص الدينية وأمل دنقل

أخبار نقادة

( مشهد الخطيئة بين النصوص الدينية وأمل دنقل ...... )

الباحث/ مصطفى عبدالعاطي 

إذا كان " التناص" مع خطاب خارجي بواسطة " كلمة " أو " كلمات " يطبع هذا التناص بسمة الحرية ، إذ لا ينتقي من الخطاب تركيبًا بعينه أو فقرة محددة بما قد يخل بالمحتوى الكلي من جهة ، ويدخل " النص " في عملية تفاعل محددة بينه وبين هذا الجزء المنتقى من جهة أخرى ، ومن جهة ثالثة فإن " التناص" الحر يعمل على تهجين الشكل اللغوي لعناصر السياق الذي يرد فيه" (1). فإن أمل دنقل يرفد النص الشعري بكلمة أو كلمات تشير إلى فعل الخطيئة – وما ترتب عليه من الخروج من الجنة ، ليدخل السياق الشعري في عملية تناص محددة مع فعل الغواية والأكل من الشجرة المحرمة– التي اُشتهر أنها شجرة التفاح في التراث الشعبي ، حيث إنه لا يسعى إلى استلهام القصة كاملة – قصة آدم وحواء – بل يرمي إلى حصر التناص في دلالات الغواية .
ومن ثمَّ ، فإن النص الشعري يدخل في شبكة من علاقات الحضور بطريقة استحضارية للنصوص الدينية ( التوراة – القرآن الكريم ) التي تضمنت القصة .
وقبل الخوض في استجلاء تفاعلات التناص داخل السياق الشعري ، تجدر الاشارة إلى إلقاء الضوء على مشهد الخطيئة كما جاءت في النصوص الدينية .
جاء في التوراة " فنادي الرب الإله آدم . وقال له أين أنت ؟ فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت ، فقال من أعلمك أنك عريان . هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها . فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت . فقال الرب الإله للمرأة ما هذا الذي فعلت . فقالت المرأة الحية غرتني فأكلت... وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً ألا تأكل منها "(2) . وأشار القرآن في عدة مواضع إلى قصة الخطيئة ، فقال تعالى " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت سوءاتهما وطفقا يخصفان من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى "(3 ).
فعند النظر إلى مشهد الخطيئة في النصوص الدينية ، نخلص إلى أن التوراة تحمل المرأة – حواء – الخطيئة وحدها وتبرأ ساحة الرجل – آدم من الوقوع في الغواية والخطيئة ، وهذا واضح من جواب آدم لربه حين السؤال عن سبب معرفته - أي آدم – بعريه . بينما يجعل القرآن الكريم الغواية والخطيئة قاسمًا مشتركًا بين الرجل والمرأة – آدم و حواء عليهما السلام – من خلال وسوسة الشيطان له في الآية السابقة أو كما جاء في قوله تعالى " فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " (4 ) ، حيث إن استخدام الضمير ( هما ) في الخطاب القرآني يشير إلى آدم وحواء .
يأتي التناص مع قصة الخطيئة في ثلاث قصائد هي ( براءة – سفر ألف دال – مراثي اليمامة) . ففي قصيدة " براءة " تتفق رؤية أمل دنقل مع التصور التوراتي ، التي تُلقي بالذنب على عاتق المرأة ، حيث إنه لا يكتفي بتفاحة واحدة بل يجعلها عنقودًا من التفاح ليضاعف مأساة الخطيئة والغواية ، على الرغم من أن الوحدات اللغوية في القصيدة ( فردوسين – جنة المأوى – لهيب ) تشير إلى قربها من النص القرآني . ومن ثمَّ يمكن القول إن التناص الحر في القصيدة منبني على تداخل النصين ( القرآني – التوراتي ) ، القرآني من خلال اللغة ، والتوراتي من خلال التصور والرؤية .
يقول أمل دنقل :-
أحسُّ حيال عينيك
بشيءٍ داخلي يبكي
أحس خطيئة الماضي تعرَّت بين كفيك
وعنقودًا من التفاح في عينين خضراوين

أأنسى رحلة الآثام في عينين فردوسين ؟


وفي قصيدة " سفر ألف دال " يتجلى التناص في صورة مركبة ، تتكون من شبكة متداخلة من الوقائع الدينية المتناصة ، فإلى جانب قصة الخطيئة – السابقة الذكر - تنجذب الصورة إلى موضعين آخرين من الكتاب المقدس ، هما :- الإنجيل متمثلاً في فعل الصلاة ، إذ الصلاة في الإنجيل تأتى على النحو الآتي : " فصلوا أنتم هكذا . أبانا الذي في السماوات . ليتقدس اسمك . ليأت ملكوتك . لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض . خبزنا كفافنا أعطتنا اليوم . وأغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا . ولا تدخلنا التجربة . لكن نجنا من الشرير . لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد . آمين " (5 ) . والثاني : التوراة متمثلاً في قول أمل دنقل ( القابلة ) إشارة إلى قابلتي العبرانيات ؛ حيث جاء في التوراة " وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شِفْـرَة واسم الأخرى فُوعَة . وقال حينما تولدان العبرانيات وتنظرانهن على الكرسي . إن كان أبنًا فاقتلاه وإن كان بنتًا فتحيا " ( 6) . لذلك تأخذ التفاحة دلالة مغايرة تشير إلى حضور الموت ؛ إذ " الاختلاف يحصل في تعيين الشخصيات التي تقوم بفعل القضم داخل " جنة البؤس " وهي هنا الأجنة التي ترفض التكوين داخل الرحم " ( 7) . وهنا تظهر صورتين للمرأة : الأولى للسيدة حواء من خلال فعل ( الخطيئة ) والذي تسبب في الخروج من الجنة والسقوط إلى الأرض . والثانية للمرأة القاتلة من خلال فعل ( القابلة ) . ومن ثمَّ فإن التناص يُكسب النص الشعري بُعدًا آخر يتمثل في (الخطيئة – السقوط – الموت ) . 


يقول أمل دنقل : -
يا أبانا الذي صار في الصيدليَّات و العُـلبِ العازلة
نَجِّـَنا من يد " القَـابـِلة " .
نَجِّـَنا . . حين نقضُم – في جنَّة البؤس ِ– تفَّاحَةَ العربات
وثيابِ الخروجْ ! !
بينما يكون التناص أقرب إلى القصة كما جاءت في القرآن الكريم بما تحمله من دلالة المشاركة بين ( آدم وحواء ) في قصيدة " مراثي اليمامة " ؛ إذ إن الخطيئة تتجلى في " العنصر البشري " غير مميز بين المرأة والرجل . وتحمل التفاحة في المقطع دلالتين متجاورتين ، الأولى : تتمثل في اختبار اليمامة لأخيها " الهجرس" ، وثانيهما :- دلالة الخطيئة والخروج من الجنة ، هي الخطأ البشري الذي أخرج آدم وحواء – عليهما السلام – من جنة عدن ، على الرغم من أن القضية التي تطرحها القصيدة تبتعد جزئيًا عن فعل الخطيئة ، الأمر الذي يمكن القول معه إن أمل دنقل لم يكن موفقـًا في استحضار فعل الخطيئة من خلال التناص ، الذي لم يقم بدوره في التفاعل الحر مع شفرات النص ، وأصبح يمثل بؤرة دلالية مستقلة عن دلالة القصيدة .
يقول أمل دنقل :-
يجئ أخي :
( كان يعرفهُ القلب ! )
أقْـذُفُ تفاحة
يتصدى لَها وهُوَ يطحنُها بالركابِ !
( هي الخطأ البشري الذي حرمَ النفسَ فردوسها
الأول المستطاب )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ) د. محمد فكري الجزار : لسانيات الاختلاف"الأسس الجمالية لمستويات بناء النص في شعر الحداثة " ، ص 310
(2) سفر التكوين : الإصحاح الثالث ( 9 : 17 )
(3) سورة طـه : الآية ( 120 : 121 )
(4) سورة البقرة : الآية ( 36 )
(5) إنجيل متى : الإصحاح السادس ، ( 9 : 14 )
(6) سفر الخروج : الإصحاح الأول ( 15 : 16 ) .
(7) د. عبد السلام المساوي : البنيات الدالة في شعر أمل دنقل ، ص188

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية