الحُدق / دورة فرعونية لم تنقطع
كتب . عبدالناصر احمد
الحُدْق (بضم الحاء وتسكين الدال)هكذا تسميها نساء القري من أمهاتنا وجداتنا وأخواتنا في الكثيرمن قرى ونجوع صعيد مصروهي قطعة من العَجين المتخمِّرتستعيرها ربـّة المنزل من جارتها لتضعها مع العجين لتصنع منها الخبز الشمسي(عيش الرغفان) .
إنها دورة متصلة ومحكمة لم تنقطع علي مر السنين تمر بمراحل عديدة تبدأ بالعَجن الذي يسبقه خلط الحُدق مع الدقيق والماء الفاتر وتركه ليلة كاملة وهي الليلة التي تسبق الخبيز مباشرة ثم العَجن في الصباح الباكر مع وضع كمية اكبر من الدقيق والماء ثم التمليك وهو (المبالغة في العجن) والتقطيع علي (الدوار) مفرد دُورَة وهي اناء طيني مسطح مصنوع من الروَث المختلط بالطين والتِبن والتي تغيرت الآن لتصبح من الورق ليوضع عليها العيش ثم تركه في الشمس لتتم عملية الخمور(التخمير).
ثم الدَب وهي (عملية التسوية) ووضعه في الظِّل تليها مرحلة التشقيق او( التشريك) بواسطة إبرة خياطة من الحواف ثم التشميس بعد تغطية العيش ويُنقل الي الشمس والي الظل تباعا والتهوية بقطعة من القماش او الورق المقوَّي (الهوّاية) حتي تتأكد ربة المنزل من إستكمال خُمورِه . ومن بعدها (الرَص) بعد تجهيز الفرن البلدي المصنوعة من الطين ايضا بعد إحمائها بوضع الوقيد (حطب ومخلفات الماشية اليابسة) والانتظار حتي صفاء النار ومن ثم وضع الرُّغفان بإنتظام داخل الفرن واحدا تلو الاخر بواسطة المَطرَحَة .
إنها دورة متصلة ومحكمة لم تنقطع علي مر السنين تمر بمراحل عديدة تبدأ بالعَجن الذي يسبقه خلط الحُدق مع الدقيق والماء الفاتر وتركه ليلة كاملة وهي الليلة التي تسبق الخبيز مباشرة ثم العَجن في الصباح الباكر مع وضع كمية اكبر من الدقيق والماء ثم التمليك وهو (المبالغة في العجن) والتقطيع علي (الدوار) مفرد دُورَة وهي اناء طيني مسطح مصنوع من الروَث المختلط بالطين والتِبن والتي تغيرت الآن لتصبح من الورق ليوضع عليها العيش ثم تركه في الشمس لتتم عملية الخمور(التخمير).
ثم الدَب وهي (عملية التسوية) ووضعه في الظِّل تليها مرحلة التشقيق او( التشريك) بواسطة إبرة خياطة من الحواف ثم التشميس بعد تغطية العيش ويُنقل الي الشمس والي الظل تباعا والتهوية بقطعة من القماش او الورق المقوَّي (الهوّاية) حتي تتأكد ربة المنزل من إستكمال خُمورِه . ومن بعدها (الرَص) بعد تجهيز الفرن البلدي المصنوعة من الطين ايضا بعد إحمائها بوضع الوقيد (حطب ومخلفات الماشية اليابسة) والانتظار حتي صفاء النار ومن ثم وضع الرُّغفان بإنتظام داخل الفرن واحدا تلو الاخر بواسطة المَطرَحَة .
بعد ان تنتهي السيدة من العجين تقوم ب(فَرك المَجُور) لتَصنع منه خميرة جديدة تُرجِع جزءاً منها إلي جارتها لتدور الدورة من جديد والجزء الآخر تقوم ربّة المنزل بصنع رغيف واحد فقط منه يسمي (قُرص فراكَة) والذي كان بمثابة الجائزة للولد المتميز داخل الاسرة كونه لذيذ الطعم ويمكن أكله بدون غموس من شدة حلاوته .
البيوت والعائلات الأصيلة هي التى تُبقى على حُدقها مستمرا دون إنقطاع وتحافظ علي جَودة حُدقها بالاهتمام بوضعه في آنية نظيفة وفي درجات حرارة ملائمة وحتي لا يُقال ان خميرتهم تُفسد العيش ومن ثَم لا يذهب الناس اليهم لإستعارتها منهم مرة اخري . ويُنظر الي ذلك الفعل نظرة عمل الخير والثواب من الله عز وجل او من باب هدية الجار الي جاره .
كان من الشرَف والفَخار أن يتردد أكبر عدد من أهالي القرية علي بيت عائلة بعينها لأخذ الحُدق منها دون غيرها . ويُضرب المثل في البخل الشديد أن البيت الفلاني (لا تُشَحَّت خميرتُه) تعبيرا عن أنه شئ بسيط جَرَت العادة واتفقت الجماعة الشعبية أن الجميع يقوم بإستلافه من الجميع دون سابق إتفاق أو إستئذان وهذا دليل علي إستمرارية بقاء الحُدق وهذا يذكرني بقول العرب ان ثلاثة لا تباع ولا تشتري العُشب والماء والكَلَأ وربما تكون الرابعة ( والحُدق) لدورته المستديمة والتي لم تنقطع الا مع قدوم الحَداثة وعيش الطابونة .
يُضرب المثل في الشخص النحس ان وجهَهُ (يقطع الخميرة من البيت) دليل آخر علي إستحالة إنقطاعها من بيوت الصعيد .
النقوش الفرعونية علي جدران معابد مدينة الأقصر محفورعليها طريقة ومراحل الخبيز عند الفراعنة .لم تختلف كثيرا عن طريقة عمل العيش الشمسي الحالي بالصعيد .
شكل الرغيف وحجمه له علاقة بالموروث الثقافي لأهل القرية فالبعض يقومون ب(تَقرينِه) أي عمل ثلاثة او اربعة قرون (نتوء) له في الحواف والبعض يقوم بشقّه من جوانبه (التشقيق) لان هذا يساعد عل سرعة التخمُّر .
كان النصاري يصنعون خبزهم بأربعة قُرون علي شكل صليب والمسلمون بثلاثة او خمسة قُرون ولحجم الرغيف دلالة علي ان صاحبه ميسور الحال او لا . وشكل الرغيف يرتبط ايضا بالمناسبة التي خُبز من أجلها فالخبز المصنوع لمناسبات الأفراح والزواج يختلف حجما وشكلاً عن المخبوز لزيارة القبور او الأولياء او للنذور مثلا .
وغالبا ما تقوم ربة المنزل بتجديد الحُدق في شهر بؤونة من كل عام وهو من أشد أشهر الصيف القبطية حرارةً وهو شهر فيضان النيل والحصاد .
للحُدْق مسميات كثيرة فبعض قري الوجه البحري تسميه (بِرباسة) والبعض في الجنوب يسميه (خُمرَة) بضم الخاء والبعض الآخر في وسط وشمال الصعيد يسميه (بَعرُومة) أو (حُدقايَة)
ولا أعرف ما هي اسباب التسميات لكنها قريبة وللحُدق طعم حاذق بالفعل بعض الشئ
سألت بعض عجائز القرية عن الحُدْق فقيل لي ربما يكون سبب التسمية طعمه الحاذق
والبعض أرجع السبب في التسمية أن الحُدق مهم جدا للخبز أهمية حَدَقة العين للإنسان ولا يمكن الخبيز بدونه .
أوَد التأكيد في النهاية علي أن موروثاتنا وعاداتنا في قري الصعيد كنزً ثريً المطلوب إزاحة الغُبار عنه وتقديمه بلغةٍ مفهومة وبصورة جميلة للاجيال القادمة كقيمةٍ حضارية وإنسانية وثقافية وجب علينا تسليط الضوء عليها كقيمة والحفاظ عليها والاهتمام بها.
التسميات: أخبار نقادة, الهدايات, تراث, خارج الوطن, معلومات عامة, هل تعلم
0 تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا برأيك
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية