حقنة عبدالظاهر بقلم .عبدالناصر أحمد
حقنة عبدالظاهر
بقلم . عبدالناصر أحمد
يرتجف قلب عبدالظاهر ذلك الطفل النحيل صاحب البشرة السمراء وتزداد ضرباته رهبةً وهلعاً عند ارتطام الرفّاص(عبّارة نيلية صغيرة) بالمعدّية الخشبية لمدينة قوص في الجانب الشرقي لنهر النيل في رحلة شاقة وطويلة بدأت مع آذان الفجر الأول وتنتهي كل يوم قبل غروب الشمس .
لمدة واحدٍ وعشرين يوماً " هي مدة جرعة مصل عضة الكلب " .
تزداد رغبة عبدالظاهر إلحاحاً في دخول الحمام عند اقترابه من باب مستشفى قوص القريب من المَعادِي والأم قابضة على يده النحيفة خوفا من هروبه مهرولة نحو الداخل لتحصل علي دوره في أخذ حقنته اليومية تحت الجلد أسفل الصرّة بعد أن عضه كلب الجيران في رجله اليسري مما أقعده عاما كاملا عن الدراسة إذ كان في صفه الأول من المرحلة الإبتدائية طريح الفراش لتحمله الام علي كتفها مسافة طويلة قبل كل طلعة شمس لتساعد حمارة جارتها الهزيلة في حَمله الي مَرسَي الرفّاصات .
تمسك الأم في يدها الأخرى (الفوّالة الألومنيوم) وبها جبنات خُضر وأُخر يابسات كهدية لعم عبدالعزيز "التومرجي" كي يغلي الحقنة جيدا قبل ضربها لوليدها لتصبح سهلة فلا يشعر بالألم وأن يهتم .
يدخل طفلها الوحيد المغلوب علي أمره في نوبة بكاء بعد ان اخد تلك الحقنة المخيفة لصعوبتها البالغة ربما تستمر لساعات طوال.
يتكرر ذلك الكابوس كل يوم حتى إنتهاء الجرعة كاملة .
رائحة الحقن المنبعثة من المستشفى ورائحة عوادم السيارات وأصوات قطار القصب زادت من دور الإسهال ووجع البطن لدي عبدالظاهر ذلك الطفل المنكوب وقد سبقت ذلك رحلته الشاقة من محل إقامته إلى مرفأ تجمع المراكب الشراعية والفلايك والرفاصات والذي يبعد عن القرية حوالي ثلاثة كيلومترات .
اكتظاظ الرفّاص بالعابرين والبضائع ووهن حمارة الجارة واعطائها لأم عبدالظاهر بدون بردعة أو لجام أو قيد حتى زاد من المعاناة وضاعف المشقة .
تأبى الام ان تركب امام أو خلف طفلها ولكنها آثرت أن يركب عبدالظاهر وحده وتترجّل هي . ممسكة بقيدها الليفي المهترئ كانت قد وجدته علي جانبي الطريق في رحلة ذهابهما وعودتهما ايضا وهي تجرها خلفها بكل رفق .
لتجد افراد الأسرة وبعض الجيران في الإنتظار للإطمئنان وللتهنئة بسلامة الوصول ومن ثم الإستماع اليها وهي تسرد كل ما دار معهما في رحلة ضَرْب الحقنة .