22‏/05‏/2016

القمح معزوفة شعبية بأنامل كرم الأبنودي






كتب / فتحي حمدالله
كرم الأبنودي شخصية ثرية لا تملك إلا أن تعشقها ، كان أنيقًا ، فارسًا ، يقدم الخير للجميع ، كنت طالبًا في كلية التربية في مطلع التسعينيات ، وكانت شغوفًا بالجلوس إليه في مكتبته المجاورة للجامعة وهو يقدم يمازحنا ويتحفنا بآرائه وأشعاره . وفي المساء يأتي متأنقًا ليلقى علينا قصيدته " كرهت اللبن " كان الشاعر الوحيد الذي نطلب منه قصيدة . وفي " كوم الضبع " جاء في ليلة صيفية رائعة النسمات وألقى علينا شعره ، وتحدث إلينا وروى ذكرياته الجميلة وألقى نكاته الذكية ، وحدثنا عن تجربته الغنائية . ما زلت أذكر هذه الليلة .
رحمك الله يا " كرم الأبنودي "

من كتاب " فن الحزن "  يكتب عن القمح في حياة المواطن القنائي ، وعن الأطعمة التي تصنع منه ، في عذوبة وصفاء وأناقة لغوية غير مطروقة من قبل ، أترككم مع كتابة الرائع كرم الأبنودي .....

تعتبر ( غلة القمح  ) هي كفاية كل منزل وبيت بالذات في محافظة قنا .. ولمعرفة صدق هذه المقولة .. يكفي أن نعرف أن دقيق القمح تصنع منه عشرات الأصناف من الأطعمة التي تسكت جوع الصغار والكبار سواء بسواء .. وربما كانت هذه فرصة لاستعراض بعض هذه الأطعمة بمسمياتها المختلفة ، وكيف تصنع ؛ لا لشيء إلا لنعرف بساطة الحياة في صعيدنا هذا ، وروعة الرضا التي تكمن في القناعة بالمتاح والموجود فمثلاً هناك :
1- المديدة : وهي وجبة إفطار ، وهي  نوعان :
-        صفراء بالحلبة الحصى والكركم والملح .
-        بيضاء باللبن والسكر وذرات ملح قليل والأساس فيها دقيق القمح .
2- العصيدة : وهي ماء مغلي يصب على دقيق القمح مع التقليب الشديد لتقدم ساخنة بعد أن يوضع عليها السمن وكثير من العسل الأسود ،  وعجينتها رخوة  نوعًا ما .
والعصيدة طعام قديم له دلالة لارتباط ( قنا ) بالأراضي الحجازية وهذا فيما رواه الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وأصحاب السنن الأربعة من حيث لقيط بن صبرة واللفظ لأبى داود ، قال : كنت وافد  بنى المنتفق               (أو في وفد بنى المنتفق ) الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .فلما قدمنا عليه لم نجده في منزله .فصادفنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ،فأمرت لنا بحريرة أوقال (بعصيدة) فصنعت لنا .
3- المزبوبة : تستخدم في الغداء ، وهى أقراص من دقيق القمح متوسطة الحجم رخوة بعض الشيء . بدون أي إضافات تؤكل غالبا مع الفول النابت .
4- القراص : قريبة الشبه "بالمزبوبة" غير أنها أكبر قليلا وتؤكل مع الفول النابت ، أو السمك (المطجن) أي المصنوع من الطواجن .
5- الخبيصة (قراقيش ) العيش الشمسي الذى تشتهر به قنا وبعض محافظات الصعيد ، تدق ويوضع عليها السمن والكركم والماء والسكر أو العسل الأسود ويقلب الخليط كله ، ثم تطفأ النار ، وتغطى الخبيصة حتى تصبح نصف ساخنة ، فتؤكل .
6- الدباب : قريب في صنعته من "المزبوبة " و "القراص" غير أن يحشي وهو عجين ، وقبل دخوله الفرن بالبلح العجوة.
7- اللحوح : وهو رقائق من عجين دقيق القمح ، الذي يصب على لوح معدني أو لوح مفلطح من مادة " البرام " التي تصنع منها " الطواجن " وهي مادة طفلية حمراء يأتون بها من الجبل الغربي في قنا والنوع الجيد من "البرام " أيضاً يصنع في غرب النيل من مدينة قنا .. ثم يؤكل اللحوح بعد طهيه إما بالسكر أو العسل .. بعد أن يدهن بالسمن .
8- السناسل : نفس شكل اللحوح ونفس عجينته لكنها أيبس منها بعض الشيء .. وتؤكل باللبن فقط .
9- العجمية : سمن يوضع فوقه دقيق القمح ويوضع فوق النار حتى يصبح لون الدقيق قريبًا من اللون "البني " ولما تصبح العجينة متماسكة تحلى بالتقليب بالماء المحلى بالسكر .. وتقدم ساخنة .
10- الفطير : عجينة متماسكة يتم فردها "بالنشاب" .. قطرها أوسع من قطر اللحوح والسناسل ، وتؤكل جافة أو طرية ، باللبن أو " بالمرقة "
11- المطبق : ربما كان واضحًا بعض الشيء من اسمه فهو "فطير " غير أنه يدهن بالسمن ويحشى بالسكر وهو عجين ، قم يطبق ليصير رباعي أو ثلاثي الشكل ويؤكل بعد إدخاله في الفرن .
12- المخروط : هو فطير يقطع شرائح عرضها نصف سم وهو يؤكل باللبن .
13 – المبوخية : هو فطير يقطع شرائح أرفع من شرائح المخروط لكن الاختلاف هو أن هذه الشرائح توضع في " قادوس " من الفخار ذو قعر مخروم بطريقة المصفاة ، ويوضع هذا القادوس فوق إناء به ماء مغلي ، حتى ينضج وهي تؤكل بالسكر أو اللبن .
14- الدغيغة : ماء ساخن يضاف إليه دقيق القمح حتى تصبح العجينة متماسكة ، ثم يضاف إلى ذلك ، السمن واللبن والسكر .
15- الخبزة : هي تصنع من دقيق الذرة الشامية أو دقيق القمح ، ويضاف مطحون الحلبة الحصى بالنسبة 2: 1 لأن الحلبة تمنع أو تؤجل تسوس هذه الخبزة مدة طويلة وهذه الخبزة لها خاصية هي أن أهل هذه البلاد كانوا يصنعونها بشكل خاص لمسافري المراكب في البحر ، حيث كانت الرحلة من قنا إلى القاهرة تستغرق ثلاثة أشهر !! ولابد أن يكون معهم نوع من الطعام يقاوم التسوس طول هذه المدة  !!
ونحن هنا نتعرض للأكلات التي تصنع من دقيق القمح ، والتي أعلم تمامًا أنها غير معروفة في محافظات كثيرة ، خاصة في محافظات الوجه البحري ، بل إن بنات قنا ونساءها في هذه الأيام لا يعرفون غالبية هذه الأصناف .
ونلاحظ أن العامل المشترك في صنع هذه الأشياء هو السمن والسكر والعسل الأسود وذلك لأن هذه الأصناف كانت متاحة في كل بيت قناوي في وقت ما  ، وأن هذه الأصناف بمسمياتها العديدة سواء التي ذكرناها أو التي لم نذكرها ، تنطوي تحتها روعة الرضا التي تكمن في القناعة بالموجود ، وكل ما يلزم لصنع هذه الأنواع كان موجودًا بالفعل !! والأساس فيه دقيق القمح  ، أما الإضافات فلكي تكون اللقمة مستساغة عندما تمضع  .





التسميات: ,

0 تعليقات:

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية