19‏/03‏/2017

الأرواح التي لا ينقطع وصلها ( دين الحب من ابن عربي إلى غالية بن علي )



الأرواح التي لا ينقطع وصلها  
دين الحب من ابن عربي إلي غالية بن علي )

 بقلم . كرم نبيه 
يذكر يوسف زيدان في تعريفه للتصوف أنه " التجرد من الذات إلي الموضوع " ، أو الإغراق الكلي في الموضوع والتخلي عن الذات وكلاهما يعتبر  تعريفاً للتصوف بشكل عام وهو ما يفتح الباب أمام أشكال كثيرة للتصوف فمن خلال هذا التعريف وهذه الرؤية الأوسع والأشمل للتصوف يصبح العالم المغرق في معمله متصوف وأيضاً الرسام والنحات والمغني بشرط أن يتحقق الشرط الذي أورده ( زيدان ) في تعريفه وهو الإغراق الكامل في الموضوع .
غالية بن علي :
هي المطربة التونسية الأصل والمولد ، البلجيكية الجنسية ، المصرية الهوي والطباع . حالة فنية لا تتكرر إلا نادراً وعلي فترات متباعدة في التاريخ فلا نري أمثالها كثيراً فمثلاً نجد شبيهاً لها في التاريخ مثل دافنشي الرسام والمطرب والمهندس،أيضاً بيكاسو وسلفادور دالي وفان جوخ ويمكن أن يكون بيتهوفن منهم .
فهي كاتبة ورسامة ونحاتة ومغنية وممثلة ، تغني التراث والأغاني الصوفية،فهي عندما تغني الفن الصوفي إنما تؤمن بالتصوف وهي دائماً في حالة من التجرد من شواغل الأمور إلي هدف أسمي وغاية نبيلة وموضوع جليل تعيش من أجله،  وبه ،  وله، وتفني ذاتها فيه وهو بالنسبة لها مشروع حياة . فغنت لكبار مشاهير شعراء الصوفية أمثال ( رابعة العدوية – ابن الفارض – ابن عربي ) .
وكانت غالية بن علي قد أطلقت علي صفحتها علي الفيس بوك هاشتاج - الأرواح التي لا ينقطع وصلها وهو أيضاً عنوان يدعو للتأمل والتساؤل عما يحويه من تأويلات وإحالات وفي هذا أيضاً متأثرة بابن عربي في قوله :
تناوحت الأرواح في غيظة الغضا       فمالت بأفنان علي فأفناني
ولماذا الأرواح بالذات ؟ لأن الأرواح تتميز بالصفات الآتية :  ( مجردة – معنوية – جوهر - غير مرئية – وغيبية غير ظاهرة – تسبح في المكان والزمان وإن كانت الأجساد يحدها المكان والزمان – وهي خالدة بينما الأجساد فانية ) .
كتبت غالية بن علي قصيدة عنونتها بعنوان ( باسط الطرقات ) وتروي أنها ألفتها في المطبخ عندما كانت تحضر الأكل في المنزل ، وهذا ما يؤكد أنها في حالة من الإغراق والتجرد في موضوع خاص ومنشغلة تماماً عن العوام ، وفي حالة تفكير دائم نحو هدفها الأسمي ومشروعها الذي تعيش له .
تقول فيها :
" في دين الحب
        المحبة طريقة
               والحبيب طريق
                      والجمال سنة
                           والصدق شريعة
                                  والشوق إيمان
                                     وإن تعددت الطرق
                                          والطرائق والطرقات
                                                        فإني واحد دائماً "
استمدت مادتها من شعر ابن عربي وأيضاً غنتها كمقدمة لقصيدة ابن عربي التي يقول فيها :  
  لقد صار قلبي قابلاً كل صورة            فمرعي لغزلان ودير لرهبان
  وبيت لأوثان وكعبـــة طـــائف          وألواح توراة ومصـحف قرآن
  أدين بدين الحب أني توجــهت           ركائبه فالحب ديني وإيـماني
فاستخدامها لكلمات ذات دلالة دينية ، وصوفية جاء في إيجاز فالإيمان لا يحتاج إلا إلي المحبة التي يتخذها الصوفي طريقة له فيسير في الطريق إلي الحبيب – محبوبه – متمتعاً بجمال الوجود في الحضرة الدائمة والوصل مع محبوبه بصدق وشفافية يدفعه إليها شوقه الدائم والتواق لتذوق نار العشق التي تتأجج في قلب الصوفي . هذا عن الصوفي الذي يسلك الطريق إلي الله أما عن الله فهو واحد دائماً مهما اختلفت الأساليب والطرق المؤدية إليه . وهذا ما عبر عنه ابن عربي في قصيدته أن قلبه يتقبل كل الطرق وكل العقائد طالما تدعو إلي الله وهدفها الوصول إليه فالحب عنده شرط الإيمان.                                                   

التسميات: , ,

0 تعليقات:

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية