معجم المصطلحات الصوفية في ديوان " خذ كتابي بيمينك "
الناقد . كرم نبيه |
معجم المصطلحات الصوفية
في ديوان " خذ كتابي بيمينك "
للشاعرة سوزان عبد العال
قراءة نقدية : كرم نبيه
ما أن تقرأ ديوان خذ كتابي بيمينك لسوزان
عبد العال حتي تلحظ تلك الحال الصوفية المتلبسة الشاعرة فالديوان رغم كونه نثراً
إلا أنه جاء في وحدة موضوعية وهي الصوفية فكل قصائد الديوان تتضح فيها سمات الشعر
الصوفي ليس علي مستوي المفردة أو المصطلح فحسب بل فيما اشتمل عليه الديوان من تناص
مع القرآن والإنجيل والنصوص الصوفية أمثال النفري .
الخمرة الصوفية :
تمتلئ الخمرة الصوفية بالرموز المتعلقة بما
وراء الطبيعة التي تبحث عن المطلق ، عن الحال الروحاني حتي تتماس مع التجربة
الصوفية وتصبح معادلاً ، تلك التجربة التي تهدف للوصول إلي المطلق والإتصال به ،
إنها تلك التجربة حيث تعيد الإنسان إلي أصله ووحدته – معرفياً – مع الأشياء
والعالم والله .
والخمرة الصوفية هي قبس من المحبة الإلهية ،
وذوق لها ، ومكاشفة للصوفي تؤدي به إلي غيبته عما سوي الحضرة . فهي تجعله في غيبة
وحضور ، بقاء وفناء ، هي راحة للجهد وتهدئة للآلام .
في خلال 16 قصيدة هي مجمل قصائد الديوان
تلحظ ذلك الحضور لمفردة الخمرة وما تحتويه في طياتها من معاني صوفية ورموز للحب
الإلهي هذا الحب هو الباعث علي احوال الوجد والسكر – المعنوي – حيث يفني ما في
الكون ولا يبقي سوي الله تعالي .
تنفي سوزان عبد العال ،مثلها في
ذلك مثل بقية شعراء الصوفية من أمثال الششتري وابن الفارض ،عن الخمر كونها خمرة
مادية وإنما هي موجودة قبل وجود العنب والكرم نفسها فتقول :
" قطرة من نبيذ الرب .."
فهذا النبيذ أو الخمر ليس لها مصدر مادي بل
هي خمرة الذات الإلهية التي نراها كثيراً في الديوان وبصور مختلفة مثل :
" دلني عليكم الوجد والخمر
شربت من كأسين جائحة العشق"
فهي هنا تنتقل من موقع الشعور بالحب إلي
موقع التعبير عنه وبذلك تستجيب لنداء خفي يتأجج في الأعماق .
وأيضاً تعبر سوزان عبد العال عن الخمرة
الإلهية وما تفعله بالصوفي من نشوة وهيام وعشق :
" قلباً شرب من بحر الهوي "
وتلك النار المتأججة والمشاعر الملتهبة التي
يمر بها الصوفي فترسمها في ديوانها :
" يكفيني من الخمر ملك الجمار يسع
لهفي"
وأيضاً :
" قد ألاقيها صريعة كأس "
ولا تمثل الخمرة الصوفية هذه الأحوال فحسب
بل هي النور والترياق :
" أسكرني ترياق عينيه ...
متعللاً ببهاء النور في كأس ملتاثة "
فالشراب لدي الصوفية غايته الوصال والإنتقال
إلي المعية الإلهية ، ومن مقام الفناء إلي مقام البقاء حتي تتحقق الإستجابة لنداء
يسمو بحثاً عن اللاواقع واللاحاضر واللاوعي.
ومن خلال الديوان نورد هذا الجدول الذي نذكر
فيه تكرار مفردة الخمرة وما يتعلق بها من مرادفات ومفردات
مثل السكر والنبيذ وغيرها :
خمر
|
نبيذ
|
مدام
|
شرب
|
سكر
|
كأس
|
7
|
2
|
1
|
3
|
7
|
5
|
تساوت مفردة الخمر التي هي خمرة الذات
الإلهية ومفردة السكر التي هي حال الصوفي التي ذاق حلاوة تلك الخمرة سبع مرات
الرقم الذي يرمز إلي الكمال ، فطالما أفاض الله عليه بتلك الخمر لابد له من السكر
.
ورقم سبعة كما قلنا أنه يشير إلي الكمال إلي
أن له دلالات ورموز كثيرة في اللغة العربية والتراث الصوفي فمجموع العدد 7 ( 1 + 2
+ 3 + 4 + 5 + 6 + 7 ) يساوي 28 والعدد 28 له دلالة خاصة فمنها مثلاً
أن اللغة التى ألَّف الله منها الكلمات حروفها 28 .
ومفردة نبيذ تكررت مرتان ومرادفها
كلمة مدام مرة ليصبحا في مجموعيهما ( 3 ) في مقابل كلمة الشرب التي تكررت ثلاث
مرات أيضاً .
أما مفردة الكأس التي هي كأس المحبة الإلهية
فتكررت 5مرات مما يدل علي ظمأها الدائم لحقيقة المحبة الإلهية وهذا ما
عبرت عنخ في غير موضع من الديوان مثل قولها :
" وأنا من ظمأ أموت .."
وأيضاً شوقها الدائم للإرتواء :
" من أي سأرتوي "
" والملوك اذا دخلوا قلباً شرب من بحر
الهوي ..
ازداد ظمأ "
ليلي :
كعادة معظم شعراء الصوفية وكسمة من سمات
الشعر الصوفي وهي إشاراتُهم للذَّات الإلهية بمحبوبات العرب المشهورات ، مثل ليلى وهند وسلمى ولبنى .. وغيرهن .
وأكثرهن هي ليلي التي يرمز بها شعراء
الصوفية إلي العفة والطهارة والنقاء والبراءة والراحة الأبدية حيث الروح والريحان
وملائكة الرحمن فليلي رمز صوفي مأخوذ من أشعار قيس بن الملوح وهي كما قلنا من
محبوبات العرب المشهورات في التراث الأدبي العربي . إنها ليلي العامرية ، فالحب
ليلي وليلي هي المني والسؤل والمأمول . كقول ابن الفارض :
أو ميض برق بالأبـيرق لاحـا أم في ثــري نجــد أري مصباحا
أم تلك ليلي العامرية قد
بدت ليلاً
فصيرت المسـاء صبــاحا
وأيضاً قوله في قصيدة أخري :
هل نار ليلي بدت ليلاً بذي سلم أم
بارق لاح بالزوراء فالعلم
وأما سوزان عبد العال تورد ذكر ليلي مرتين
مرة علي عادة شعراء الصوفية فتقول :
" تجد ليلاك مليحة وبلا خمار "
وهو ما يشبه إلي حد ما قول ابن الفارض :
أبرق بدا من جانب الغور لامع أم
انكشفت عن وجه ليلي البراقع
فهي العادة المتبعة في الشعر الصوفي أن تشبه
ليلي بالذات الإلهية حيث البحث عن ليلي هو البحث للوصول إلي الله والتغني بجمالها
هو مديح في جمال الله تعالي الذي لايوصف كقول ابن الفارض :
وعلي تفنن واصفيه بحسنه يفني
الزمان وفيه ما لم يوصف
وأما المرة الثانية التي تذكر فيها
ليلي فتقول :
" يا رب
النوي استرق ليلي
علي طريق ضاع الأحبة دونه "
فهنا ليلي ليست الذات الإلهية وإنما أرادت
أن تصف حالها وتشبهها بحال ليلي في عشقها لقيس وإن كان هذا المعني فهو جديد
وفيه شرود عن المتبع من الشعر الصوفي في تلك الحال .
المحبة :
المحبة هي طريق الصوفي ومسلكه ،
وهي أسمي درجات الحب والعشق فالمحبة والعشق يتخذ المحب طريقاً للوصول إلي المحبوب
.
وأما عن كيفية التعبير عن تلك المحبة فيتخذ
شعراء الصوفية مصطلحات ومفردات كثيرة جداً أغلبهم يستقيها من شعر التغزل مستفيدين
في ذلك بقواميس الغزليين القدامي فيصبح لدينا من خلال أشعارهم دلالة وضعية وأخري
ثانوية مصاحبة لها من خلال الرمز والمجاز . ومرادهم في ذلك مثل مرادهم في
استخدامهم مفردة الخمرة وليلي فهي دلالات مادية استخدموها في قالب جديد أضفوا عليه
المعني الأسمي والروحاني للتعبير عن أشواقهم ومواجيدهم ومن تلك المفردات: الحب –
الهوي – الشوق – العشق – الغرام ... إلخ
ويظهر ذلك في قصائد الديوان فنقرأ :
" اغفر لعابدة ضامها الشوق "
" وفي هواكم ألف دن من الصبر المعتق
"
وفي الجدول التالي تكرار تلك المفردات :
الكلمة
|
قلب
|
عشق
|
شوق
|
هوي
|
خجل
|
سحر
|
محبة
|
جوي
|
صبابة
|
تكرارها
|
15
|
15
|
8
|
5
|
2
|
2
|
2
|
2
|
2
|
هذا الزخم من المفردات والمصطلحات الصوفية
إنما يدل علي أن الديوان ملئ بالحالات الصوفية الحقة من عشق وشوق وحب بين العاشق
والمعشوق ، بين المحب والمحبوب ، بين العبد وربه .
خذ كتابي بيمينك :
لماذا اليمين ؟
اتخذت سوزان عبد العال من خلال التناص مع
القرآن الكريم عنواناً لديوانها وهو " خذ كتابي بيمينك " مستفيدة من تلك
الآيات التي وردت في القرآن الكريم تتحدث عن اليمين وما لها من دلالات عميقة ففي
العنوان تناص مع سورة الإنشقاق حيث يقول الله تعالي :" فأما من أوتي كتابه
بيمينه سوف يحاسب حساباً يسيراً ". فاليمين هي دلالة علي السمو والرفعة وهي
تثل المنهج السليم والصحيح الذي يجب أن يتبعه الصوفي أو يتبعه الناس جميعاً وأيضاً
في العنوان تناص آخر مع ما ورد في سورة الواقعة " فأصحاب الميمنة ما أصحاب
الميمنة " وأيضاً " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين " .
فالقرآن الكريم كان ولا يزال مصدر إلهام
وبعث للذات الشاعرة .
التسميات: أدب
0 تعليقات:
إرسال تعليق
شاركنا برأيك
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية