الوطن بقلم سعد القليعي
الوطن
بقلم . سعد
القليعي
فيه مغالطة موضوعية أنا أثق أن معظم من يقعون فيها، يقعون فيها
عن جهل، وأعنى بهذه المغالطة مفهوم الوطن، ولقد كررت وسأظل أكرر تصويب المفهوم حتى يظهره الله أو أهلك دونه .. لما
يقول مدير المدرسة مثلا فصل تالتة أول ينصرف هو لا يعنى جدران الفصل ولا بابه ولا مقاعده
، هو يعنى _ بداهة _ مجموعة التلاميذ ، كذلك الحال حينما نقول فريق كرة القدم أو الحفل
أو السوق.... إلخ ، وفيما يخص الفصل فلا قيمة للجدران والشبابيك والمقاعد إلا لأنها
متعلقة بتلاميذه وتخصهم ، فلو حدث وانتقلوا إلى حجرة أخرى فلا شيء تغير ، هم كما هم
فصل تالتة أول، ولو حدث وتكسرت كل المقاعد أيضا فهم كما هم إلا أنهم خسروا شيئا أو
أشياء، كذلك الأسرة التى فقدت سيارتها أو تهدم البيت الذي يأويهم فمصابهم فى الريش
كما يقول المصريون، لكن إذا ماتت الأسرة فى حادث أو لقى نصف الفريق مصرعه فساعتها تكون
فعلا قد ماتت الأسرة أو فقد الفريق نصفه، وساعتها فلم يبق من الأسرة شيء ولم يبق من
الفريق إلا نصفه ، وعلى هذا فالوطن لا تعنى إلا المواطنين شركاء الوطن والإخوة فيه،
وكل ما عداهم لا قيمة له إلا لأنه متعلق بهم ويخصهم ، الوطنى يحب التاريخ المصرى لأنه
تاريخ وطنه، ويطرب لأم كلثوم لأنها فى وجدان أمته، ويقدر محفوظ لأنه مساحة من أدبهم،
كما إن مبنى القلعة لا فضل له _عند المصرى الوطنى _ على غيره من المبانى الرائعة فى
إيطاليا أو فرنسا مثلا سوى أن الأول يخص أجداده المصريين ويمثل مسرحا لأحداثهم الهامة.
حتى المؤسسات كذلك، فلا فضل _ عند الوطنى الحق_ بين شرطة بلاده وشرطة غيرها من البلاد
سوى أن الأولى تخدم مواطنيه وتعمل على حمايتهم وحفظ أمنهم وهذا هو مبرر أفضليتها الوحيد،
وعلى ذلك فمن يقول إن مصر كانت أجمل قبل ثورة يوليو فهو إما جاهل أو مدلس، _ وأغلب
الظن هى الأولى عملا بحسن الظن_ فقد أوافقك لو قلت إن شارعا أو مدينة كانت أنظف وأرقى،
أما المصريون (مصر) فقد كانوا حفاة أو غالبيتهم ، مصر لم يكن لها أن تدخل تلك الشوارع
إلا خادمة، لم يكن للمصرى حق التصويت...إلخ مما ليس مجاله الآن . والآن فإن القول عن
التضحية بتحمل قهر المصريين وإذلالهم وإفقارهم وقتلهم فى سبيل الحفاظ على مصر، قول
مضحك بلا أى مبالغة، يشبه تماما نكتة طبيب الولادة الذى ضحى بالجنين والأم من أجل نجاح
العملية، .. ولعلى أجد الشجاعة وأقولها بكل راحة ضمير ، إن من تحدثه عن قهر المصريين
وذلهم وظلمهم بل وموتهم فيتغاضى من أجل بقاء الوطن لهو مغيب جاهل بل وليس وطنيا فى
قرار القرار، هو يظن أنه وطنى، لكن الحقيقة أنه لا ينظر إلا لمصلحته الضيقة الخاصة
، هو لا يتغنى بسلامة الوطن ويسعى لها إنما بسلامته الخاصة وسلامة الحلقة الضيقة التى
تعنيه، لذا ستجده أعلى الناس صوتا وأكثرهم فزعا حين تمس سلامته. ... أقول قولي هذا
راجيا من الله أن يصادف قلبا واعيا وأذنا سامعة ونفوسا تريد نور المعرفة والحق . والله
من وراء القصد
التسميات: مقالات
1 تعليقات:
جميل يا استاذ
إرسال تعليق
شاركنا برأيك
الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]
<< الصفحة الرئيسية