15‏/09‏/2017

(الرُكن الشديد) دار الهدى والنور لتحفيظ القرآن بالهدايات


(الرُكن الشديد) 
دار الهدى والنور لتحفيظ القرآن بالهدايات 
كتب / عبدالناصر احمد 
ما يبعث إلى البهجة ويدعوا الي الفخر قيام مجموعة من شباب قرية الهدايات بمحافظة قنا من الحاصلين على مؤهلات عليا في العلوم المختلفة بتقديرات عالية إنشاء مكتب لتحفيظ كتاب الله عز وجل بالقرية .
اختمرت الفكرة في أذهان الشباب وبدأت رحلة البحث عن مكان يتم استئجاره يصلح لأن يكون مقرا للدار ويستوعب عددا جيدا من الطلاب ويحوي أماكن تفي بهذا الغرض وقد كان. 
أبى أصحاب المكان أن يتقاضوا إيجارا للمكان وذلك بعد معرفتهم انه سيكون (كُتّاباً) لتحفيظ القرآن رحمةً على روح والدهم المتوفّي وكصدقةٍ جاريةٍ له . تزيد مساحة المكتب عن قيراط وسط الكتلة السكنية للقرية مبنى بالطوب اللبن . قام أحد الخيّرين بالتبرع بنفقات بعض التشطيبات البسيطة واعمال الترميم وآخر بكولدير مياه وآخر بمبلغ مالي شبه شهري . أضف إلى ذلك رفض بعض المحفظين تقاضي رواتبهم الشهرية حسبةً لله عز وجل . وعلى حد قول أحدهم أنه مشروع خيري في المقام الأول .
بدأ هؤلاء الشباب بدعوة أهالي قريتهم والقري المجاورة بما يملكون من وسائل عن طريق التليفون أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر مكبرات الصوت لتوجه أطفالهم إلى مكتب التحفيظ . 
ما يتم جمعه من اجر شهري (الشهريّة) من الطلاب لا يغطي النفقات ولم يزل . ولكن بتبرعات اهل الخير استمر دار تحفيظ القرآن لثلاثة أشهر متواصلة واقفاً على رجليه بالكاد وكان حصيلة الحفّاظ وثمرة هذا الجهد المشكور خلال تلك الفترة الوجيزة عددا لا بأس به من حافظين وحافظات لنصف جزء إلى جزئين كاملين  ترتيلا محكما وحفظا مجوّدا .
ما تميز به (دار الهدي والنور لتحفيظ القرآن بالهدايات) دون غيره من مكاتب التحفيظ وهذه شهادة أحد أولياء الأمور أن أحد هؤلاء الشباب والحاصل على معهد القراءات إضافة إلى حصوله على درجة البكالوريوس قام بطباعة ورق بلاستيكي (بلانر) مقوّي وهو عبارة عن ست ورقات سمّاها ( القاعدة النورانية ) من الحجم الكبير يستطيع الطفل من سن التمييز فما فوقه ان يكون قادرا على قرأءة اي كلمة من القرآن بعد قراءته ودراسته لتلك الورقات الست بكل سهولة إذ يبدأ المعلم بنطق الحرف الأبجدي وطريقة رسمه وتشكيله وتكوين كلمة كاملة منه وكلها من مفردات القرآن . 
لجأ هؤلاء الشباب إلى أصحاب الخبرات السابقة في مجال التحفيظ ومن ثم الاستفادة منهم ومن فنّياتهم وافضل طرق الحفظ وأيسرها . 
خصص الدار ثلاثة أيام أسبوعيا لكل الفئات العمرية. يحمل الطالب معه ختمته أو جزء منها حسب حفظه مع كراسة المتابعة التي يدوّن فيها المحفّظ ملاحظاته اليومية للطالب وإعطاءه التقدير المناسب بعد قراءة الجديد وتسميع (الماضي). 
قيل لأحد السلف أن ابنك قد حفظ القرآن الكريم فرد على الفور قائلا : بل القرآن الذي حفظه. 
وقال آخر: علّم ولدك القرآن والقرآن سيؤدّبُه . 
شئٌ آخر تميّز به الدار جدير بالذكر وبالإشادة الا وهو الإخلاص والتفاني في العمل. إذ كان الهدف الأول من انشاء الدار هو الحصول على أكبر عدد ممكن من حفّاظ كتاب الله عز وجل كاملا بقريتهم وهذا لم يمنع ايضا قبول أي اعداد اخري من القرى والنجوع المجاورة للقرية .
عكف هؤلاء الشباب مُذ تمخضت فكرتهم على دعوة أولياء أمور الطلاب بجمع أجور رمزية عن ثلاثة شهور دفعة واحدة خشية عزوف الطلاب وعدم استمراريتهم ومن هنا كانت الحصيلة الثمينة والجائزة الكبرى ويوم الحصاد وجمع الثمار . 
يقوم الدار بتكريم تلك البراعم بصفة دورية لتحفيزهم على الاستمرار . تارة معنويا وتارة ماديا بما يملكون في أيديهم من ماديات لشراء هدايا عينية للأطفال . 
الحفل : 
سيقيم شباب الهدايات في مساء الاثنين القادم بالقرية بعد صلاة العشاء الموافق 18/سبتمبر/2017 حفلا كبيرا يحضره كوكبة من علماء الأزهر الشريف لتكريم بعض المتميزين بالدار. يبدأ بترتيل آي من الذكر الحكيم ثم تكريم الطلاب يليه فقرة إنشادية وبعض الفقرات الدينية المتنوعة . 
يتسائل البعض لماذا يقيم شباب القرية كل هذه الحفلات المُكلفة لتكريم الطلاب في تلك الفترة الوجيزة ولم يتعدّي أكثرهم حفظا إلا لجزئين من القرآن فقط .
بسؤال أحد المحفّظين أجاب : بالإضافة الي التكريم والتحفيز فإن شباب الدار يأملون بهذا في زيادة اعداد المنتسبين إلى الدار أضف إلى ذلك تسليط الضوء عليه وترويجه إعلاميا كما يقولون ولا حرج ولا عيب في ذلك ابدا . 
( شعلة نشاط ولفتة طيبة ) : رفض الشباب القائمون علي الدار ذكر اسمائهم عبر مواقع التواصل أو بهذا المقال أو أيا من زملاءهم المحتسبين ( شباب من القرية يساعدونهم أحيانا بلا مقابل) علي الإطلاق خشية الرياء وحتي يكون ذلك العمل خالصا لوجهه الكريم . ولكن القلم يأبى إلا أن يشير ولو من بعيد إليهم فهم بصدق المحركون النشيطون للدار والاوفياء الحقيقيون لمجتمعهم ولبلدتهم ولا ريب في ذلك . فكان من باب الوفاء ذكر الفضل لأهله وكتابة تلك السطور وهذا أقل القليل . 
الشغل الشاغل لمحفظي الدار هو الخوف من انحسار عدد الطلاب وقلتهم خلال موسم الدراسة لهذا العام وللأعوام القادمة. إذ لا يستطيع الطالب عادةً التوفيق والجمع بين المدرسة والدروس الخصوصية ومكتب تحفيظ القرآن في آن واحد .
من هنا قال أحد المحفظين بالدار : كما أن بعض الأطفال يستئذنون مني للخروج مبكرا للّحاق بحصة مادة كذا كان من الواجب عليه أن يفعل العكس ويتم التواصل بينهم ومعلم تلك المادة المتعارضة ليتم التنسيق بين الجميع . 
حتى أن أحدهم قد طرح فكرة جيدة وهي أن يحضر كل طالب ورقة صغيرة في جيبه يقدمها إلى الدار مكتوب فيها مواعيد دروسه وسيتم التغلب على تلك المشكلة .
واخيرا لا شئ يوسّع المدارك ويطلق الألسنة ويزن بل ويزيّن العقول إلا القرآن . 
وقال أحد العلماء أن إنقاذ الأمة من الجهل والفقر أوجب من إشباع رغبة نفسية في "متابعة" الحج والعمرة، هذه فريضة وتلك نافلة.
وصدق النبي الكريم حين قال اطلبوا العلم ولو في الصين ومن المهد إلى اللحد . فنحن أمة (إقرأ) . ولا يوجد ركن شديد يأوي إليه الطلاب أشد من دار يدرس فيه القرآن .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية