17‏/09‏/2017

القلل القناوي ثلاجة الغلبان

خصنا الشاعر أشرف ناجي،والصحفي بالكويت بهذا التحقيق حول القلل القناوي،نسعد به القاريء الكريم  .. 

القلل القناوي .. ثلاجة الغلبان
صناعة فرعونية تتحدى الزمن .. وتقاوم الاندثار
بقلم . أشرف ناجي 

=القلل القناوي واحدة من أهم فنون الحضارة الشعبية، والمأثور الثقافي لمحافظة قنا
= شومان : صناعةالقلة القناوي تعتمد على مواد خام موجودة في الطبيعة القناوية بوفرة 
= العم عاشور:بدايات القلة القناوي كانت تُنعّم بالزيت لإعطائها ملامحها النهائية
=  أبو الحمد : رحلة صناعة القلة القناوي شاقة وممتعة
=عبد الشافي : نحتفظ بهذا التراث ما يزيد عن القرن رغم صعوبة هذه المهنة وما تتكلفه

= التجارب أثبتت مقاومة الفخار للبكتريا الضارةبالماءمما يجعله صالح للشرب و الطهي


صناعة الفخار واحدة من أهم وأقدم الصناعات، التي ظلت محافظة قنا متمسكة بها حتى الآن، وهي من أوائل الفنون التي ظهرت في العصور القديمة، مع بداية ظهور الإنسان واكتشافه للنار، وتحولت بعد ذلك إلى واحدة من فنون الحضارة الشعبية، والمأثور الثقافي لمحافظة قنا.
 اشتهرت محافظة قنا بصناعة القلل القناوي، وتمسكها بصناعة الفخار، وامتدت على طول المحافظة وعرضها، واشتهرت بعض مراكز المحافظة بأنواع من الصناعات الفخارية، حيث أطلق على بعض القرى سابقًا أسماء المصنوعات الفخارية، وكذلك بعض العائلات التي اشتهرت بتلك الصناعة. ذاعت شهرة القلل القناوي عالميا ورويت عنها القصص ، ونقل الأجانب عشرات الأفلام واستضافوا عددا من صانعي ومنتجي هذه الصناعة حتى أصبحت أسطورة في أدبنا الشعبي المصري عرفها القاصي والداني ، وقد قمنا بزيارة لعدد من قرى الجنوب خاصة محافظة قنا التي تستأثر بهذه الصناعة للوقوف على حكاية القلل القناوي وسر انتشارها في وما روي عنها من حكايات  وذلك من خلال هذا التحقيق .
أجرى التحقيق : أشرف ناجي
في البداية التقينا مع الشاعر والباحث في التراث المصري مسعود شومان حيث قال :  صناعة الفخار بصفة عامة  أضفت على بعض مراكز المحافظة صبغة خاصة، منها مركز قوص، الذي برع في صناعة الطواجن، وقرى المحروسة، والدير، والترامسة، والطويرات، بمركز قنا، الذي اشتهر بصناعة البلاص القناوي، ونجع حمادي، التي تمسكت بزير الماء، وماجور اللبن. أما القلل القناوي فكانت من حظ قنا وحدها وخاصة منطقة سيدي عبد الرحيم ، وعدد من قرى قنا أهمها الدير والبلاص  ( المحروسة (
وأضاف ، أخذت القلة القناوي شهرة واسعة في أدبنا الشعبي ،وغنت لها نجاه.. قلة حبيبى ملانة وعطشانة يانا.. أروح له واللا أروّح ..أشرب حدانا), وغنت لها نساء الشعب (البحر بيضحك ليه وأنا نازله ادلع املا القلل).. أما سيد درويش فقد غنى من تأليف بديع خيرى
 مليحة قوى القلل القناوى ،    رخيصة قوي القلل القناوي
قرب حدانا وخدلك قلتين         خسارة قرشك وحياة ولادك
ع اللي ماهواش من طين بلادك   ده ابن بلدك ما يبلفكشى
ما تعدموشى ولا يعدمكشى.  ، ومن أشهر الأمثال الشعبية (نكسر وراه قلة) حيث يتم كسرها عقب أى ضيف غير مرغوب احتفالا برحيله.
وتعتمد الصناعات الفخارية على مواد خام موجودة في الطبيعة القناوية بوفرة، وتعد منتجات الفخار من أجود الصناعات الشعبية التي تشتهر بها محافظة قنا وهو منخفض التكلفة في إنتاجه وفي سعره النهائي للمستهلك، وهناك بعض الأنواع من المنتجات الفخارية يتم تصديرها إلى بعض الدول العربية.
أشهر معلمي القلل القناوي
وفي جولتنا التقينا بعدد من  صناع ومنتجي القلل القناوي  الذين عشنا معهم أجمل الحكايات .
العم عاشور محمد عطا شيخ معلمي وصناع القلل في قنا، مركز صناعة القلل في جنوب مصر، فقد قضى معها عمره كله، بعد أن ورثها عن أبيه وعمه المعلم محمد مكاوي الذي كانت القلل تروج باسمه في شوارع قنا وحاراتها. وكان البائعون، تقديرا لجودة صناعته، ينادون أثناء جولاتهم لبيعها "القلل القناوي.. شغل محمد مكاوي".
وكان والد عم عاشور فخرانيا يشار إليه بالبنان أيضا، وكان يملك مصنعا كبيرا للقلل بجوار مسجد العارف بالله سيدي عبد الرحيم القنائي، يعمل فيه 96 عاملا يبدأون العمل منذ السابعة صباحا. وكان على الواحد منهم تصنيع 56 قلة لكي يحصل على ثلاثة قروش، وهي عملة ظلت معروفة في أيام مصر الملكية لها قوة شرائية لا بأس بها. وكانوا يقدمون كما هائلا من القلل التي ينقلها الحمالون إلى النيل لتنقلها المراكب الى حيث يشاء أصحابها. وكل حمال ينقل فوق تقفيصة مصنوعة من الجريد، حوالي 100 قلة يحملها فوق رأسه من ميدان سيدي عبد الرحيم حتى شاطئ النيل، وهي مسافة تزيد على 10 كيلومترات، ويحصل الواحد منهم نظير كل حمل على 2 مليم.
حكايات عم عاشور مع صناعة القلل وتسويقها، والتي كان يقترب بها من روحه ويحاول من خلالها كشف ذاته والتعرف عليها مليئة بالإثارة. يذكر أن القلل في بداية معرفتها كانت تُنعّم بالزيت لتتم تسويتها وإعطائها ملامحها النهائية.
وأحد صناعها المحبين لها شيخ عرف باسم أبوالسعود الجارحي. ويحكي أنه في أحد الأيام كان منهمكا في العمل، لكنه قبل أن ينتهي من إحدى القلل اكتشف أن الزيت نضب، وأن القلة سوف تجف من دون أن تأخذ شكلها النهائي، وبذلك يضيع كل مجهوده في إنجازها. بكى الشيخ أبوالسعود الجارحي بدموع غزيرة بللت كفيه، وسالت على القلة فلانت في يديه.. لحظتها اكتشف انه يمكن أن يستخدم الماء في إعطاء القلل آخر ملامحها. وقد أعطى القلة في يده من دون ان يدري بعضا من ملامح الأنثى التي تكور بطنها في شهور حملها الأولى، ومن يومها صار شكل القلة القناوي مختلفا عن غيرها من القلل التي تصنع في غيرها من مدن مصر.

وفي جولتنا أيضا إلى مصانع تشكيل وإنتاج القلل القناوي في منطقة حاجر البلاص  " المحروسة حاليا " بمحافظة قنا  التقينا بأحد عائلة أبو الحمد وهو الشاب  محمود أحمد أبو الحمد  ويدير ورشة لتصنيع القلل القناوي  حيث شرح لنا المراحل التي تمر بها صناعة القلة القناوي حتى وصولها إلى المستهلك قائلا : يتم إحضار المادة الخام وهو حجر الطفل من الجبل ، ويتم وضعها في أحواض ماء فترة ، ثم التمرير والمشي عليها  باستخدام بعض الحيوانات من البقر والجاموس ، بعد ذلك يتم عجنها وتدليكها حتى تصبح عجينة لينة سهلة التشكيل .
ثم تأتي مرحلة أخرى وهي تقطيعها حسب حجم القلة المراد تصنيعها  ، ويتم وضعها على الحجر المخصص لها  والذي يسمى بالعجلة  ويقوم الفواخرجي بهذه المهمة ، حيث يتم تشكيل القلة بيد المعلم الفواخرجي ويضع عليها لمساته التي تعطيها الشكل النهائي ويحدد إذا كانت بأذن او بدون اذن ، وهناك النوع المشرشر ، او العادي ، كما يتحكم في حجمها .
بعد ذلك يتم وضعها تحت الشمس فترة  ثم حرقها في الفاخورة ( المسلقة )  وبعد ثلاثة أيام يتم استخراجها وتكون جاهزة للاستهلاك ، فهي بحق رحلة شاقة وممتعة في نفس الوقت .
الفواخرجي أو الفخراني
يسمّى صانع تلك المنتجات "الفواخرجي" أو "الفخراني"، نسبة إلى الفخّار. كما يمكن أن يكون اسه "القُلَلِي". وتيمّنا بهذه المهنة يُسمّى واحد من الأحياء القديمة في مدينة القاهرة. فهذه واحدة من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان. وباستثناء العجلة (الراحونة) التي تساعد "الفواخيرغي" (باللهجة المصرية) يبدو أنّ طريقة الصناعة هي ذاتها المستخدمة قديماً في مصر الفرعونية قبل عصر الأسرات. ويقال إنّ عجلة الفخار عرفت في عصر الأسرة الأولى، ويذهب باحثون آخرون إلى أنّها عُرفت منذ عهد الأسرة الرابعة
كما توجهنا إلى منزل المعلم يونس عبد الشافي الشهير بأبو عرفه  وأخوه مرعي حيث يتوارثون هذه المهنة عن الآباء والأجداد  والذي تحدث إلينا قائلا : تعمل عائلتنا في هذه المهنة بما يزين عن قرن من الزمان ومازلنا نحتفظ بهذا التراث رغم صعوبة هذه المهنة  وما تتكلفه ، ورغم قلة الطلب عليها مع دخول التكنولوجيا  ، لكننا مصرون على أن نحفظ تراث الأجداد  فهي صناعة فرعونية خالدة .
وأضاف عبد الشافي ، اشتهرت محافظة قنا في صعيد مصر بصناعة القلل ، ولقبت واشتهرت بها ” القناوي” وتمسكها بصناعة الفخار، وامتدت على طول المحافظة وعرضها، واشتهرت بعض مراكز المحافظة بأنواع من الصناعات الفخارية، حيث أطلق على بعض القرى سابقًا أسماء المصنوعات الفخارية، وكذلك بعض العائلات التي اشتهرت بتلك الصناعة. كما ويستخدمها اهل الصعيد فى اعداد أكلة تسمى ” القعباية” من خلال كسر رقبة القلة ووضع اللحم والبصل والطماطم والسمن بداخلها ووضعها داخل الحطب المشتعل حتى تنضج . ومن أهم المظاهر التي تجدها في الصعيد هو المشربيات ، حيث تستوطن القلة غالبا صينية مستديرة وتوضع على طرف الشباك فى الهواء الطلق وهو ما يكسبها برودة للماء بداخلها ، ولكن حديث للأسف  ومع ظهور المبردات والثلاجات استغنت الكثير من الأسر المصرية عن القلة القناوى ، وما بقي إلا القليلون اللذين يهوون التمتع بماءها الصافي المنقى فلم تعد القلل اليوم تحظى بالمكانة نفسها كما في الماضي لدى معظم الناس .
فوائد صحية للقلة القناوي
ربما لا يعلم الكثير اننا نشرب ماء ميتا و قد ثبت بالتجارب في احدث المعامل الأمريكية و الأوروبية ان ضغط الماء او تعبئته داخل انابيب ومواسير وكذلك الزجاجات البلاستيكية يفقد الماء كل الطاقات الحيوية الغنية والمفيدة به .
و يتكون جسم الإنسان من أكثر من 70 % من الماء و لذلك تم إجراء التجارب و وجد ان اقرب مادة للإنسان في الطبيعة هي الفخار لقوله تعالى : (خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار(.
و قد تم إجراء التجربة علي ماء بعد إنزاله من قارورة من البلاستيك و تحليل العناصر الحيوية التي به فوجد انه تم قتل أكثر من 80 % من العناصر المفيدة فيه و من الفيتامينات الحيوية فيها وأصبح الماء ميت بدون حيوية .
و قد تم وضع نفس عينة الماء في عدة أشياء من عناصر مختلفة مثل الزجاج و الاستانلس و الألمنيوم و النحاس و الفخار و الخزف و وجد من التجربة ان الفخار هو المادة الوحيدة التي أعادت للماء كل الطاقة الحيوية كما ثبت من التجربة مقاومة الفخار للبكتريا الضارة الموجودة بالماء مما يجعله صالح للشرب و الطهي بنسبة 100   %

0 تعليقات:

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية