06‏/01‏/2017

الهدايات..القرية النموذج بقلم/عبدالناصرأحمد

مسجد قرية الهدايات 
لاتزال صورة القرية الريفية التي كنا نشاهدها في الأعمال التليفزيونية القديمة عالقة في الأذهان . محفورة في مخيّلة الكثيرين (الترعة- الغيط - أدوات المُزارع البدائية من نورج وساقية ومحراث وعود جر المياه الي غير ذلك من صور) .  
 بفعل الحداثة تغيرت معظم القري الا ان بعضها احتفظ ببعضٍ من العبق التاريخي والألق المكاني وقليل من الجغرافية
  نشتَم من بين ثناياها النذر اليسير من تاريخ ثري ومكانة متميزة في شتي المجالات وواكبت في نفس الوقت التحضر تماشيا مع سرعة عجلة العصر .
  أطوّف بك عزيزي القارئ حول إحدي قري محافظة قنا كنموذجا لتلك القرية وهي (قرية الهدايات) التي تبعد عن المدينة باثنين وعشرين كيلومترا تقريبا ناحية الجنوب . تقع القرية الأم علي نهر النيل مباشرة مما زادها  جمالا وبهاءا يقابلها من الغرب نجع ترعة الهدايات وهي اصل اصيل وجزء لا يتجزأ من القرية فصلته الجغرافيا بكيلومترين اثنين لظروف العيش والزراعة يليها غربا الصحراء الغربية  . يليها جنوبا قرية اولاد ضياء ومن الشمال القرينات .
تتبع القرية مجلس قروي طوخ مركز نقادة .  
 انعكست بيئتها الزراعية وانحسارها بين النيل والجبل إيجابا علي الحالة النفسية لأهل القرية حيث تركت فيهم معاني جمالية ربما كانت اكثر حضورا في ابناء الهدايات كالود والتعاون وصلة الرحم والايثار والرضا ..…الي آخره من معانٍ حقيقية للنخوة  . 
في موازاة جبل القرية وجدت بعض الآثار الفرعونية والتي يسميها البعض  (طواقي فرعون) ولا أعرف سببا للتسمية حيث لم تمتد اليها يد التنقيب او احدي بعثات الأثار حتي الان وهي عبارة عن كهوف محفورة في بطن الجبل قيل انها بقايا لمعبد الإله سِت والإله إيزوريس وهو الإله المحلي لمدينة نقادة .
وجد ايضا بعض الآثار من الحقبة الرومانية كأوعيةٍ فخارية وأدوات زراعية ومحاريث معدنية وخشبية وبعض الفخاريات) اضف الي ذلك وجود بعض الآبار الجوفية والسواقي الرومانية التي كانت محفورة في اماكن متفرقة من نواحي القرية منذ مئات السنين والتي تم ردمها والبناء فوقها بعد بناء السد العالي وقد عاصرنا منها اليسير
التصميم المعماري لمنازل القرية بُني على نسقٍ رُوعي فيه عمل غرفة كبيرة في كل منزل مجهّزة ومفروشة وربما باقي الغرف لم يتم تجهيزها بنفس الإهتمام وهي فقط لإستقبال الضيوف (المندرة) . يدل ذلك علي الكرم المتأصل والضارب بجذوره في أهل القرية خصوصا والقرية الصعيدية عموما
تنخفض نسبة الأمية في القرية الي اقل من عشرة في المائة . والسواد الأعظم من المتعلمين حاملي الدبلومات الفنية والمعاهد المتوسطة والعليا والكليات من (طب وهندسة وإعلام وآداب وعلوم وتربية ……. الي آخره ).  
كان لعلماء الأزهر والمعلمين الفاضلين من ابناء القرية والذين كان لهم صيتٌ ذائعٌ لما عندهم من علمٍ غزير ووعي وفير .
 ففي حقبة الستينيات والسبعينيات نجد علي سبيل المثال لا الحصر ( الشيخ علي ايوب- الشيخ كامل الحاج علي- الشيخ عبدالقوي الضبع- الشيخ منصور سفير- الشيخ عبدالعليم عباس) رحمهم الله جميعا وآخرين ربما لا تسعفني الذاكرة او لا اسمع عنهم او لا اعلمهم
قبل كل هؤلاء تاريخيا كان الشيخ حميد آل ماضي والذي كان يحمل العالمية علي مذهب الامام مالك وهي بمثابة جامعة الأزهر الآن وقد كان عالما ومصلحا وصديقا مقربا للعلامة الشيخ علي محمود الخلوتي الاسمنتي صاحب كتاب (منحة المجيد علي سيف المريد) والمتوفي سنة 1915م .   
من هنا قال حكيم  :
                   وهل يجحد الشمس الا الغبي
                             وهل يعرف الفضل الا ذووه
شباب القرية الحاليون هم ابناء وحفدة وتلامذة هؤلاء الكبار . كيف لا وقد تربّوا علي ايدي كوكبة من المعلمين الاكارم علموا ابناء قريتهم بقدر ما اوتوا من امكانيات ولا احد ينكر دورهم التوعوي والتربوي في تنشئة جيل محترم قَلَّ ما تجد مثله أدبا وعلما وثقافة
إنه الواقع ولقد ركزت علي مرحلة الابتدائية لما لها من اهمية في مرحلة التكوين والتنشئة
بالقرية أقدم مدرسة ابتدائية (مدرسة الشيخ متولي) واقدم مسجد (الجامع الشرقي) قبل تجديده  بالجهود الذاتية حديثاً
تعتبر قرية الهدايات أنموذجا فريدا وحقيقيا للتعايش المسلم المسيحي حيث يعيش من بيننا ومعنا مجموعة من العائلات المسيحية يمارسون حياتهم الطبيعية جدا كما ينبغي ان تكون ولا تجد ذلك في القري المجاورة شمالا وجنوبا وربما تكون هذه ميزة تفردت بها قرية الهدايات عن قريناتها
يوجد بالقرية الكثير من المواهب الادبية والرياضة والابداعية ( شعراء عامية وكتاب رواية وسيَر ذاتية ) تحتاج الي رعاية واهتمام ومتابعة وتسليط الضوء .  
حملة الماجستير والدكتوراة في مختلف العلوم من ابناء القرية في ازدياد مستمر بفضل وعيْ ابناء القرية وتثمينهم لقيمة العلم والعلماء
 يلفت النظر تلك الآصرة القوية التي تربط شباب القرية ببعضه ادَّعي انها ما زالت باقية رغم قلتها برغم الاختلاف في الرؤي والافكار والابتعاد قليلا لظروف الحياة وضغوطها والتي زاد من قسوتها قلة ذات اليد ومتطلبات الحياة والعَوَز الذي عم الكثير من قُري المحروسة . ادي ذلك الي هجرة الكثيرين داخل مصر وخارجها .  
عدد مديري المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية بالقرية عدد لا يستهان به ويؤخذ في الاعتبار.
 روح المنافسة الشريفة والغَيرة المحمودة في التفوق العلمي والعمل الخيري والعملي خلقت جيلا من الشباب نحسبه علي خير ندعوا الله ان يحفظهم ويوفقهم لكل خير .
 يأتي علي قمة تلك المنافسات التي تدعوا الي البهجة والفخر حصول مدرسة القرية الابتدائية علي شهادة الاعتماد التربوي(الأيزو) والمركز الثاني علي مستوي الجمهورية. بل وحصْد ابناء القرية للمراكز الأولي دائما ما شاء الله لا قوة الا بالله في مختلف المراحل الدراسية ( ثانوية  عامة وجامعة ) مقارنة بالقري المجاورة
 أين الإعلام والمسؤلين من قيادات شعبية واعضاء مجلسي الشعب والشوري من قرية بتلك المَلَكات وشباب بتلك الروح التنافسية بجهود فردية وبأقل الإمكانيات .
عدد سكان القرية لا يتعدي الستة آلاف نسمة تقريبًا . 
أين الكليات والمعاهد الفنية العسكرية من أبناء القرية من جويةوحربيةوفنيةعسكرية وخلافه ؟ 
   بل واين السلك القضائي والنيابي والشرطي منهم ؟
     ما تم تنفيذه علي الأرض حتي الآن من مشاريع متواضعة بإمكانيات فردية محدودة وجهود ذاتية وبأيدي طيورها المهاجرة احيانا او بأيدي ابناءها المقيمين بها احيانا اخري (بناء مساجد- مكتب بريد- مدرسة ابتدائية واخري اعدادية . مكاتب تحفيظ قرآن – جمعيات خيرية . تشجير وإنارة وتجميع قمامة واعمال خيرية اخري اكثر من رائعة قد تخفي علي الكثيرين مثل رعاية المرضي وكفالة الايتام ومساعدة المحتاجين ) جزي الله القائمين عليها خير الجزاء واكثِر اللهم من امثالهم
   كل ما سبق وزيادة في قرية لا يوجد بها اي بنية تحتية كصرف صحي او مركز شباب رياضي او مركز صحي او مكتبة عامة او (بيت ثقافة) مثلا فنحن ما زلنا فقراء إبداعيا وادبيا وهذه مهمة للغاية .  
   يتبقي السؤال الأهم في كيفية النهوض بقرية الهدايات لتصبح القرية النموذج ؟ 
وكيفية القضاء علي مشكلة البطالة ؟ لأن الفراغ سُم الحياة وقاتل الطموح
دعم الشباب ماديا  يجب ان يأتي في المرتبة الاولي ودعمه معنويا ايضا والاستفادة من طاقاته الكامنة واستثمارها
هذا هو الذي سيؤدي فقط الي النهوض بالمجتمع وبمصرنا الغالية ويؤدي الي تقدمها وازدهارها

التسميات:

5 تعليقات:

في 11 يناير 2017 في 10:04 ص , Anonymous غير معرف يقول...

رائع

 
في 11 يناير 2017 في 8:41 م , Anonymous غير معرف يقول...

اشكرك

 
في 6 يناير 2018 في 2:05 م , Anonymous غير معرف يقول...

بسم الله ما شاء الله عليك يا أبا جمال.. زادك الله من فضله وجزاك عن أهل الهدايات خير الجزاء..أخيك أبو شروق

 
في 23 يناير 2019 في 5:58 م , Blogger Unknown يقول...

وجزاك الله كل خير اخي الكريم أبا شروق

 
في 23 يناير 2019 في 5:59 م , Blogger Unknown يقول...

وجزاك الله كل خير اخي الكريم أبا شروق

 

إرسال تعليق

شاركنا برأيك

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية